العراق : تدمير امة
تحت هذا العنوان شاهدت فيلماً وثائقياً في التلفزيون الفرنسي مدته حوالي 4 ساعات ومكون من أربعة أجزاء والمقصود بالأمة هو " العراق " الذي تم تدميره على عدة مراحل. الفيلم يوثق كل التغيرات والانقلابات التي حدثت في العراق وخاصة فترة حكم البعث في عهد صدام والحروب التي خاضها مع ايران واحتلال الكويت والحصار الاقتصادي ثم الاحتلال الأمريكي ، وما جرى اثناء الاحتلال وبعده من سرقات لممتلكات الدولة تحت اشراف المحتل وفتح الحدود لدخول من هب ودب وحل أجهزة الجيش والشرطة والامن دون حتى التفكير بإيجاد البديل الخ. لم اجد فيلماً وثائقياً اكثر جدية ومصداقية وصراحة وجرأة من هذا الفيلم. لا اريد هنا ان اتحدث عن دور النظام السابق في تدمير العراق والفيلم نفسه لم يركز على ذلك فهذا الدور اصبح معروفاً وتناولته الأقلام والأفلام بكثرة. ان اصالة الفيلم هي في اظهار دور الإدارة الامريكية وبعض الشخصيات المسؤولة المحيطة بجورج بوش في تدمير العراق المتعمد وتثبيت ذلك بأدلة دامغة لا تقبل الشك من خلال الوثائق الرسمية ومن خلال المقابلات مع العديد من شخصيات سياسية وعسكرية عالية المستوى مسؤولة وكانت في قلب الحدث ، ومن مختلف الدول وخاصة من الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا والعراق نفسه ، وكذلك من المبعوثين الدوليين ولجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل. وقد اضطرت بعض تلك الشخصيات الى الاستقالة عندما اكتشفت ان دورها لم يكن الا التغطية على نوايا تلك الإدارة في تدمير العراق . ومن الشخصيات التي تم مقابلتها وزير الدفاع الفرنسي السابق ،( جان بيار شافينمو 1988-1991 ) الذي استقال اثر اشتراك فرنسا في الحرب ضد العراق ، والرئيس الفرنسي السابق هولاند وبرايمر ومكية ومسعود البرزاني وقائد الجيوش الامريكية ..الخ.
ان عنوان الفيلم الوثائقي قد تم اختياره بعناية فالذي تم تدميره ليس البلد وحده وانما الامة بأكملها وبما تضمه من ارض وسكان وحضارة وبنية تحتية وابسط مستلزمات الحياة من ماء وكهرباء وغذاء ومستشفيات وادوية..الخ.
وهنا اريد ان اسجل نقطتين مهمتين جديدتين وربما تنشر للمرة الأولى :
1-الأولى تتعلق باشتراك فرنسا في حرب الخليج الثانية اذ ان الرئيس الفرنسي آنذاك ميتران قد رفض في البداية الاشتراك في ضرب العراق وقد غير رأيه في اليوم التالي على اثر مخابرة تلفونية تلقاها من الرئيس الأمريكي. وهذه معلومة لم تنشر بهذا الشكل في الفيلم الوثائقي الحالي وانما عرفت بها بنفسي واليكم الحكاية: فبعد استقالة وزير الدفاع الفرنسي آنذاك جان بيار شيفينمو ببضعة اسابيع ( معترضاً على مشاركة فرنسا في الحرب على العراق خلاف ما هو متفق عليه مسبقاً ) مر بالصدفة امام مكتبة " الف باء " التي كانت تعود الى العراقي الأستاذ قيس خزعل جواد العزاوي ( من القوميين العرب ) ويديرها العراقي الأستاذ هاشم رضا علي. توقف الوزير السابق امام المكتبة واخذ يقرأ عناوين الكتب المعروضة في الواجهة ثم دخل فيها وتحدث مع الأستاذ هاشم رضا عن الحرب التي فرضت على فرنسا وكيف ان الرئيس الفرنسي رفض الدخول فيها بعد استشارة وزير الدفاع والأجهزة المعنية ثم عدل عن رأيه بعد تلقيه المخابرة المذكورة أعلاه. الحادثة نقلها لي الأستاذ هاشم رضا الذي كان يدير ويشرف على "مكتبة الف باء " التي تقع في شارع " كلود برنار " في قلب باريس.
2- تحدث الفيلم عن إصرار الإدارة الامريكية بعد عام 2001على ان العراق قد اشترى أطنان من اليورانيوم من دولة افريقية " النيجر " وقدم ادلة باهتة كذبتها كثير من المصادر في ذلك الوقت مما أدى الى تزوير وثيقة تدعي ان هناك اتفاقاً موقعاً بين نيجيريا والعراق لتزويد العراق باطنان من اليورانيوم الخام وفيها اختام رسمية ، واستخدمت تلك الوثيقة المزورة لشن الحرب على العراق . تحدث خبير فرنسي ومسؤول امني سابق كبير قائلاً : كيف يمكن نقل تلك الاطنان ؟ ورسم خريطة للطرق الممكن سلوكها والدول التي يمكن المرور بها وهو شيء شبه مستحيل. ثم اكد على ان السلطات الفرنسية رجعت الى ارشيفها وقارنت الوثيقة المزعومة وظهر انها لا تطابق الأوراق النيجيرية الرسمية ولا الاختام الرسمية لتك الدولة وانما هي وثيقة مزورة مائة في المائة ولم تأخذ بها السلطات الفرنسية. كما ان كل الأسباب المقدمة الى فرنسا لتبرير الهجوم على العراق عام 2003 لم تكن صحيحة او مبررة للحرب ، ولهذا قرر الرئيس الفرنسي اليميني شيراك عدم الاشتراك بها وقال عبارته الشهيرة " ان منطقة الشرق الأوسط لا تتحمل حرب جديدة " ، وبهذا اثبت انه ا كثر واقعية وانصافاً واستقلالاً من نظيره السابق الاشتراكي ميتران.
نعمان
نعمان